لدينا أربع عشرة محطة ميلاد وثلاث عشرة محطة وفاة، بالنسبة للمعصومين (ع)، وهذه المحطات محطات جيدة وثرية للاستزادة منها.. ولا يخلو شهر من شهور السنة إلا وفيها مناسبة: إما مناسبة استشهاد معصوم، أو مناسبة ميلاد معصوم.. وفي شهر ربيع الأول نعيش أرقى المناسبات وأعظمها، وهي مناسبة ميلاد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.. ففي مثل هذه المناسبات - بالإضافة إلى العواطف: البكاء حزنا، أو الفرح سرورا - من المناسب جدا أن نحاول الإلمام بسيرة المعصومين (ع).
إن في حياة أئمتنا عليهم السلام سواء في (كشف الغمة) أو في (بحار الأنوار) أو في غيرها من كتب السيرة، لكل معصوم في ختام حياته فصل بعنوان (الكلمات الحكمية).. و(تحف العقول) من خير الكتب في هذا المجال، فلكل معصوم تحف، ولعل حديثا واحدا من أحاديث المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم يغيّر مجرى حياة الإنسان.. ويا حبذا لو كتبت كلماتهم الجميلة في مراقدهم الشريفة!.. كما في حرم الإمام الرضا (ع)، فإن هناك بعض الأحاديث المنقوشة في الحرم، نقلا عن الإمام صاحب ذلك المقام.
وهذه الرواية منقولة عن الإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليه، ومضمون الرواية: (واعلم أنك لن تخلو من عين الله).. فأداة النفي (لن)، هي للنفي المؤبد، لم يقل: لا.. أي أن الله عز وجل يراك في كل تقلباتك.. (فانظر كيف تكون)!.. وهذه الرواية من أفضل الروايات في باب مراقبة النفس.. فلو أن الإنسان رأى العين الإلهية مسلّطة عليه، حيث أن الله عز وجل لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء {أَلمْ يَعْلمْ بِأَنَّ اللَّه يَرىَ}.. ولو أنه عاش هذه الحقيقة، هل من الممكن أن يهمّ بالذنب؟!.. وهل من الممكن أن يتخيل الذنب؟!.. وهو يعلم بأن الله عز وجل {يَعْلَمُ السِرَّ وَأَخْفىَ}؟.. فالإنسان قد ينظر إلى جهة مستقيمة، وهو ينظر إلى أمر محرّم في زاوية عينه، لئلا يكشف أمره.. ولكن القرآن الكريم يقول: {يَعْلَمُ خَائِنَة الأَعْيُنِ وَماَ تُخْفيِ الصُّدُور} هو بفضله وكرمه لا يوآخذ الإنسان على أمور القلب، فهذه منّة منه.. ولكن لو شاء أيضا لعاقبه على ذلك.. إن حديثا واحدا بمناسبة سيرة المعصومين (ع) قد يغير مجرى حياة الإنسان رأسا على عقب، مثل هذا الحديث: (واعلم أنك لن تخلو من عين الله، فانظر كيف تكون!..).
فكم من المناسب أن نتحرى هذه الكلمات الجميلة في مناسبات أئمتنا عليهم السلام!.. واعلم أن الحكمة الصادرة من المعصوم فيها خاصية التأثير من بركاته صلوات الله وسلامه عليه، فتلك كلمات حكمية صادرة من قلوب مستنيرة بنور الله عز وجل.. فهذا النور يسري في الأسماع كسريان الكهرباء في الأسلاك.
إن نور كلمات نهج البلاغة وخطب أمير المؤمنين، عندما تطلق، تنفذ وتغلغل وتستقر في القلوب المستعدة.. نعم، ولهذا عندما طلب همام من أمير المؤمنين (ع) أن يصف المتقين، فوصفهم الإمام (ع)، عندئذٍ صعق همام صعقة كانت نفسه فيها، فوقع إما مغشيا عليه أو مات.. فعلّق الإمام على هذه الحادثة بما مضمونه: هكذا تفعل المواعظ بأهلها.. نعم، كل إنسان يمكن أن يكون في مستوى، وفي درجة من درجات همّام، الذي صعق بحديث أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.
الكاتب الشيخ / حبيب الكاظمي