إنّ من المقامات التي خصت بها فاطمة الزهراء (عليها السلام) هو مقام الرضا أي أن الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها، حيث جاءت الكثير من الروايات الشريفة المأثورة عن الرسول وأهل بيته (عليهم السلام) لتؤكد هذه المنقبة العظيمة للصديقة الشهيدة. وهذا مما يدل على كونها ذو مقام عالي وشريف سامي لها عند الله تعالى: إذ لا معنى أن يرضى الله لشخص من دون أن يكون له عند الله منزلةً وكرامةً عليه، وهذا مما يساعد عليه العرف العقلائي إضافة إلى الشواهد القرآنية الكثيرة على هذه المسألة، فنحن نجد من خلال الممارسات الحياتية إن الكثير من الأصدقاء مثلاً يرضون لرضا شخص معين بالحق ويقبلون شفاعته وتوسطه أو رضاه عن شخص معين لحل مشكلة ما، وكذلك الحال في الغضب، وعلى هذا الأساس تكون فاطمة كريمة عند الله تعالى لعلو شأنها ومنزلتها عنده لذلك يرضى لرضاها ويغضب لغضبها. عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: « يا فاطمة إن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك ». وكذلك ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) انه قال: « يا فاطمة أبشري فلك عند الله مقامٌ محمودٌ تشفعين فيه لمحبيك وشيعتك فتُشفعين ». ويظهر أيضاً مقامها عند الباري عز وجل من خلال الحديث الطويل الذي يروى عن أهل بيت العصمة عن الله تعالى حيث يقول الباري عز وجل: « يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السموات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار ». فأي منزلة ومقام لها عند الله تعالى بحيث يقسم الله تعالى بعزته وجلاله أن لا يعذب بالنار شيعة الزهراء ومحبيها، وهذا الحديث له مقام عالي يثبته حديث آخر ورد في شفاعة الزهراء (عليها السلام) في يوم القيامة وإعطاء الكرامة العظمى لها آنذاك. ومن المقامات الأخرى لها (عليها السلام) هو علة الإيجاد أي أنها كانت علة الموجودات التي خلقها الباري عز وجل وكما ورد في الحديث الذي يقول فيه الباري عز وجل: « يا أحمد ! لولاك لم خلقت الأفلاك، ولولا علي لم خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما ». 2ـ مقامها (عليها السلام) عند الملائكة في حديث طويل .. « ... فقالت الملائكة : إلهنا وسيدنا لمن هذا النور الزاهر، الذي قد أشرقت به السموات والأرض ؟ فأوحى الله إليها : هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة ابنة حبيبي، وزوجة وليّي وأخو نبيّي وأبو حججي على عبادي، أُشهدكم ملائكتي أنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة ». وهذا يعني إنها (عليها السلام) لها مقام النور الزاهر عند الملائكة فهم يعرفونها في السماء بالنور الزاهر الذي أزهرت السماوات والأرض بنورها ولأجل ذلك سميت بالزهراء. 3- مقامها (عليها السلام) عند الأنبياء والنبي محمد (صلى الله عليه وآله) أما عند الأنبياء فهذا ما يدل عليه الحديث المأثور عن أهل بيت العصمة عليهم السلام الذي يقول: ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقر بفضلها ومحبتها وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى، حيث يظهر من هذا الحديث أن لها مقام سامي عند الأنبياء لأنه ما تكاملت نبوتهم حتى أقروا بمنزلتها ومقامها وفضلها ومحبتها، واللطيف هنا إنما الإقرار يكون عند من له الحق على الآخرين، وعليه يكون الأنبياء أقروا لله تعالى ـ لأنه هو صاحب الحق عليهم ـ بفضلها ومحبتها، أما عند النبي (صلى الله عليه وآله) فان مقامها رفيع ولو أردنا أن نكتب عن مقامها عند الرسول لاحتجنا إلى مجلدات في هذا الأمر ولكن على ما يسعنا المقام نقول: إن مقامها يظهر من خلال أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) نفسه حيث تارة يقول فداك أبوك ومرة أخرى يقول لها أُم أبيها، وأخرى بضعة مني ولحمها لحمي ودمها دمي ولكن الأهم من هذا كله فإنها (عليها السلام) يكفي من مقامها ومنزلتها عند الرسول (صلى الله عليه وآله) انه قال في حقها: « من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد وهي بضعة مني وهي قلبي الذي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ». وأيضاً قوله (صلى الله عليه وآله): « ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن ظلمك فقد ظلمني، لأنك منّي وأنا منك، وأنت بضعة من وروحي التي بين جنبيّ ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : « إلى الله أشكو ظالميك من امتي ». 4 ـ مقامها (عليها السلام) عند الأئمة ورد عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنه قال: « نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة الله علينا » وهذا الحديث من الأحاديث العظيمة الذي أعطى لفاطمة (عليها السلام) وعلى لسان حفيدها الحسن العسكري عليه السلام أكبر شهادة عظمى بحقها، وسيأتي مفصلاً البحث حول هذا الحديث الشريف. ويظهر من خلال حديث أخر عظم منزلة ومقام فاطمة عند الأئمة عليهم السلام حيث خرج من الناحية الشريفة عن الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أنه قال: « وفي ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي أسوة حسنة... » فأي مقام يظهر لنا من خلال هذا التوقيع الشريف والذي بين فيه الإمام ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) أن له أسوة حسنة بفاطمة أي اتخذها قدوة له يتأسى بها في المعضلات والمصائب. وهناك الكثير من المقامات التي اشتركت الزهراء (عليها السلام) مع الأئمة فيها من حديث كونهم الصراط المستقيم واشتراكها معهم فيه وكذلك كونهم الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام لتوبته واشتراكها معهم في المباهلة مع وفد نجران والذي تدل على أنها كانت قطب الرحى الذي دار في المباهلة وكونها الشجرة الطيبة واشتراكها في النور معهم والتطهير في آية التطهير ... الخ من المناقب والمقامات العالية لها (عليها السلام) ولقد تظافرت الروايات الشريفة على هذه المقامات. 5 ـ مقامها عليها السلام يوم القيامة إن أفضل مقام تعطى فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة هو مقام الشفاعة الكبرى والذي من خلال هذه المنزلة يظره قدر ومقام فاطمة عند الله تعالى يوم القيامة وأمام الخلائق جميعاً، فلقد ورد في تفسير فرات ... فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله عزوجل : يا بنت حبيبي، ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي ؟ فتقول : يا رب ! أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم، فيقول الله : يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة . قال أبو جعفر عليه السلام ـ والله ـ يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء . فاذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا فيقول الله عز وجل : يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي ؟ فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم ؛ فيقول الله : يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة، خذوا بيده وأدخلوه الجنة . قال أبو جعفر عليه السلام: ـ والله ـ لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق، فإذا صاروا بين الطبقات، نادوا كما قال الله تعالى: ( فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم ) فيقولون : ( فلو أنّ لنا كرة فنكون من المؤمنين ). قال أبو جعفر (عليه السلام): هيهات هيهات منعوا ما طلبوا ( ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون ).