عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال إن فاطمة عليها السلام كانت تكنى : أم أبيها (1)
نقف مع هذه الحديث لكي نستلهم منه المعاني الرائعة والجميلة التي تضمنها بين طياته ، فكلمة أم أبيها كلمة عذبة أفضل ما تفوهت به حنجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال مرحباً بأم أبيها ، فهذه الكلمة رغم أنها صغيرة ولكنها في نفس الوقت كبيرة مملوءة بالحب والأمل والعطف وكل ما في القلب البشري من الرقة والعذوبة ، لذا نرى لا بد من تسليط الأضواء على هذه الكلمة لكي نستخلص روائع الفكر من هذا الحديث الشريف الذي قلده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا بنته فاطمة فجعل جيدها يشع نوراً لمن أراد أن يستضي من نور معرفته .
ولقد ورد في صحاح اللغة العربية أن معنى كلمة أم هو الأصل كما هو معروف في لسان القرآن الكريم حيث عبر عن مكة المكرمة بـ ( أم القرى ) أي أصل القرى في الجزيرة العربية ، ومنها انطلقت روح الحياة لكي تغذي القرى ومن حولها وتقوم برعيايتها ، وذلك لما لها من مكان وموقع جغرافي في قلب الجزيرة العربية مما جعلها قطب الرحى لبقية القرى ... وعلى هذا الأساس نفهم معنى هذا الحديث « أم أبيها » حيث نستطيع تفسير بأن فاطمة عليها السلام كانت مصدر ذرية رسول الله ومنبع نسله وهذا ينطبق ويتماشى مع تفسير الكوثر الذي هو مصدر ذرية رسول الله صلى الله عليه ومنبع نسله وهذا ينطبق ويتماشى مع تفسير الكوثر الذي هو مصدر ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
أقول : إن في التأمل في حياة فاطمة عليها السلام واستقراء حياتها في ظل رعاية أبيها رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم نجد عدة معاني وتفاسير تجعل هذا الحديث وهذه الكلمة أم أبيها كنظرية ولها تطبيقات عديدة في حياة الصديقة الطاهرة عليها السلام وعلى هذا الاساس نرى الوقوف مع هذا الحديث مما يزيدنا معرفة في فاطمة عليها السلام ويجعلنا نتقرب من الأسرار التي كانت تحيط بحياتها الشخصية وإليك بعض التفاسير والمعاني الرائعة لهذه الكلمة :
* ان التدقيق في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع ابنته فاطمة عليها السلام يجعلنا نفهم معنى أم أبيها حيث أن الزهراء عليها السلام كانت تقوم بمداراة أبيها رسول الله ورعايته أفضل ما تكون المراعاة بالنسبة لأم لولدها وفي قبال ذلك كان الرسول يحترمها كما يحترم الولد أمه ، وهذا نجد جلياً وواضحاً في سيرته الشريفة وعلاقته بالبضعة الطاهرة عليها السلام حيث كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ينادي بالزهراء عندما تقبل عليه : مرحباً بأم أبيها ، ويقدم لها ضروب الإحترام وألوان التعظيم ، حتى وصل الأمر إلى أن يقوم لها إجلالاً وتعظيماً ويأخذ يدها ويقبلها ثم يجلسها إلى جانبه ويقبل عليها بكليته ، وكان إذا يقبلها يقول : أشم منها رائحة الجنة .
* إن رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا بد لها من امتداد يمثلها في كافة جوانبها ويعطيها التفسير الصحيح ، وهذا لم نجده إلا من خلال الإمتداد الطبيعي للرسول صلى الله عليه وآله وسلم المتمثل في ذريته من فاطمة عليها السلام ، لذا كان الرسول يقول : « حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً » أي إن الحسين ابني وامتدادي الطبيعي فهو قرة عيني وثمرة فؤادي وفي نفس الوقت أنا من حسين ، وعليه فإن هذا الحديث يحدد المفهوم الذي أراده من هذا الحديث أي بدقة متكاملة وبتمعن نرى أن هذا الأمر يعني استمرار الرسالة السماوية وإحياء معالم الدين والعقيدة انما هو بوجود الحسين وذرية فاطمة من الأئمة المعصومين ، لذلك قيل ان الدين الإسلامي محمدي الوجود حسيني البقاء وهذا ما نراه في التضحية التي قدمها الحسين يوم عاشوراء حيث أرخص الغالي والنفيس لإحياء شجرة الرسالة المحمدية في كل جوانبها فغذاها بدمه ودم عيالاته من الأطفال والشباب والشيوخ والنساء حتى الطفل الرضيع ، وعلى هذا الأساس يكون معنى أم أبيها ان استمرار الإسلام وبقاء رسالة السماء وحفظ القرآن الكريم وعقائده مناهجه إنما يكون بواسطة فاطمة الزهراء عليها السلام ومن خلال ذريتها ، وهذا ما كان يراه الرسول